On Spot

الزواج تحت السن .. اغتيال الطفولة في وهم القفص الذهبي

تحقيق :وسام صابر

في عالمنا اليوم، يعيش الملايين من الأطفال حياتهم تحت وهم القفص الذهبي، وذلك من خلال تزويجهم قبل بلوغ سن الرشد، إن الزواج تحت السن ليس مجرد انتهاك لحقوق الطفولة، بل هو أيضاً اغتيال للطفولة  نفسها، وليس فقط الفتيات هن الضحايا، بل الأولاد أيضاً، حيث يجدون أنفسهم مضطرين إلى تحمل مسئولية كبيرة.

وهنا يركز التحقيق على توثيق القصص الشخصية لحياة فتاة تُدعي “ملك” وكم عانت من مشكلات بسبب زواجهها المبكر.

“البنت المؤدبة هي اللى تتجوز بدري” عبارة رددها الكثير وفرحت بها الفتيات، وكانت”ملك”هي احدى الفتيات اللاتي أبهرتهن العبارة عندما وقعت على سمعها لأول مرة، حيث كان والدها يعمل باليومية، ووالدتها ربة منزل، زادت سعادة هذه الطفلة بارتداء الفستان المرصع بالذهب والفضة قبل أن تتم الرابعة عشرة من عمرها.

كانت تطمح مثل بقية الأطفال للعب في الشارع مع أقرانها، ولكن الحياة صارت عكس ما تتوقع هذه الطفلة البريئة، بعد زواجها تحكي الفتاة قصتها قائلة: “معنديش رغبة في الحياة، نفسيتى تعبت مش قادرة أكمل”.

أصيبت “ملك” بالاكتئاب وفكرت في الانتحار للتخلص من همومها، ولكن كان هناك شيئ واحد يدفعها إلى الصمود وهي طفلتها قائلة:”مش عايزة بنتي تعيش اللي أنا عيشته”.

وعانت هذه الطفلة المتزوجة من ضغوطات زوجها، وكم هو صعب المعيشة ولا يهتم بها ولا بطفلته: “قائلة بيأخذ فلوسي وبيصرفها على أشياء غير صحية ويريدني أن أعمل وأصرف عليه حتى يأست من ذلك وطلبت منه الطلاق”.

وتستكمل “ملك” حديثها، والدموع لا تفارق عينيها، كان يقول لي دائماً إذا أردت أن يتم الطلاق والإعتراف بالزواج فتنازلي عن جميع حقوقك وكنت في ذلك الوقت لم أبلغ 18 سنة السن القانونية للزواج .

ولم تكن “ملك” الوحيدة التي تعاني من هذا الزواج، ولكنها مثل مئات الفتيات اللواتي وقعن ضحية “زواج السنة” وهو الزواج الذي لا يوثق الإ ببلوغ السن القانوني، كذلك الحال بشأن إصدار شهادة ميلاد لمولودتها.

رأى خبراء الاجتماع

قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، أن دوافع زواج القاصرات تتضمن جانبين، الجانب الأول أن الكثافة السكانية وكثرة الإنجاب تدفع الآباء لتزويج بناتهم، والجانب الثاني أن كبر سن الفتاة بدون زواج عار وخاصة في الأرياف والصعيد التى لا تشجع فكرة تعليم البنت.

رأى خبراء علم النفس

وقالت الدكتورة نهلة ناجى، أستاذ الطب النفسي، أن زواج القاصر ما هو إلا جحيم أو”دعارة مقنعة” أسبابها الفقر والجهل، ويتسبب في ضغوط نفسية وعاطفية حيث تجد الفتاة نفسها في مواجهة مسئوليات الزواج والأسرة في سن مبكرة لم تتمكن من التأقلم معها بعد، وهذا يؤثر سلبياً على تطورهن النفسي والعاطفي، ويقيدها من تحقيق طموحاتها الشخصية والتعليمية.

 وقال الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الطب النفسي، إن الفقر والجهل والخوف من العنوسة تدفع الأباء لتزويج بناتهن القاصرات، لذلك يجب على المجتمع أن يتعاون ويوفر التعليم المناسب لتمكين الفتيات من تحقيق طموحاتهن.

مأذون الكواليس

ويتطرق  التحقيق إلى البحث عن العائق الأساسي في توثيق الزواج، وهم المأذنون المرخصون، وآخرون ينتحلون هذه الصفة دون ترخيص رسمي يحصلون على مبالغ ضخمة مقابل عقد القران، فيما رأى جمهور آخر أن   العائق الأساسي الآخر هم الأهل.

وذهب بعض الجمهور إلى أن الحكومة يجب أن تشدد على المواطنين، لأن كل شخص فيهم سواء المأذون أو الأهل أو الزوج جمعيهم لهم دور مؤثر على الآخر، ولذلك يعتبر قانون العقوبات، المأذون من الجناة المشتركين في تحرير عقد زواج دون السن القانونية وهذا ما يوضحه الشكل البياني:.

وقد رصد التحقيق أعلي عشر محافظات في حالات الزواج 2022، منها }القاهرة، الشرقية، البحيرة، الدقهلية، والمنيا{

الولاية الأهلية

تسرد “ملك”حكايتها قائلة “كنت أواجه أزمة عندما طلبت مني المحامية طلب التوكيل من أهلي  لأنهما أكبر مني سناً، ولكن المشكلة أن والدي قد توفيا ولم يبق لي أحد من أهلي يساعدني فما كان مني الإ الصبر وقتاً أطول حتى بلوغي 21 سنة لبدء الإجراءات.

ثغرات قانونية

وقد نص الدستور المصري في المادة 80 على أنه يعد طفلاً من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، فيما نصت المادة الخامسة من القانون رقم 143 لسنة1994 بشأن الأحوال المدنية والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 “ألا يجوز توثيق عقد زواج لمن لا يبلغ من الجنسين 18 عاماً، ويعاقب تأديبياً كل من وثق زواجاً بالمخالفة لأحكام هذه المادة”.

رغم ذلك تزوج الفتيات قبل بلوغهن السن القانونية، ويسجل الزواج بعد إتمام السن القانونية بموجب عقد عرفي وشهادة الشهود، والبعض يمتنع عن تسجيل الزواج.

ولذلك نص قانون العقوبات 227،على أنه يعاقب بالحبس مدة سنتين أو غرامة لا تزيد علي 3 آلاف جنيه لكل من أدلى أمام السلطة العامة ببيانات بقصد بلوغ الزوجين السن القانونية للزواج، وتشمل العقوبة كلا من الولي المسئول والمأذون والشهود فقط.

كما ينص القانون 64 لسنة 2010، أنه يعتبر الزواج المبكر من بين حالات الإتجار بالبشر وعقوبته المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه للوالي المسئول عن إتمام الزيجة.

الأمر الذي سيدفع “ملك”التنازل عن حقوقها مقابل الاستجابة لتسجيل الطفلة المولودة، وذلك عملاً بقانون الأحوال الشخصية لسنة 2000 مادة 17 رقم ( 1)

لا تقبل الدعاوي الناشئة عن عقد الزواج إذا كانت الزوجة تقل عن 16 سنة أو كان سن الزواج يقل عن 18 سنة وقت رفع الدعوى.

هل زواج القاصر حلال شرعاً؟

أكدت دار الإفتاء المصرية أن زواج القاصر حرام شرعاً، ومخالف للقانون ويؤدي إلى الكثير من المفاسد والأضرار في المجتمع، وذلك لأن الإسلام اعتني بالأسرة أعظم عناية، واهتم بأسس تكوينها اهتمامًا عظيمًا.

وأضافت دار الإفتاء أن ما تبين لنا ما يقدم عليه البعض من تزويج البنات القاصرات هوعمل منافِ لهذه المقاصد ويمثل جريمة في حقهن، وذلك لعدم قدرة الفتاة القاصر على تحمل مسئولية الحياة الزوجية والقيام بالأعباء المادية والمعنوية لاستمرارها.

بالإضافه ،إلى أن الحكم الشرعي المناسب للواقع والحال والمتوافق مع الحكمة في الزواج هو حرمة زواج القاصر، لأن القاعدة الشرعية تقر أن ” دفع المفاسد مٌقدم علي جلب المصالح”

هل تعتبر القوانين التي صدرت لمنع زواج القاصر كافية ؟

رصد التحقيق الذى تم إجراؤه على عينة من الأفراد من المدن والريف أن هذه المشكلة تتنشر بشكل كبير في الريف، وأن القوانين التي صدرت لهذا الشأن لم تكن كافية وكانت النسبة 82.7%، والبعض رأى إلى جانب القوانين يجب توعية الأسرة من خلال تدريسه في المقررات الدراسية، ونشره عبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي.

  السن المناسب للزواج؟

وأظهرت الدراسة أيضاً وجود خلاف بين الجمهور حول تحديد السن الملائمة للزواج، فالبعض يرى وهم جمهور الأغلبية أن السن من 21-25 ملائم للزواج والبعض الأخر ذهب الي 26-30 هم السن الأنسب، بينما يري البعض أن ليس هناك ما يدعي وجود سن معين، والبعض الآخر يرى السن المناسب بأنه سن بلوغها العقلي والجسدي، بينما ذهب البعض إلى سن أقل من 18 أو يتخطي السن.

تحذيرات من الزواج المبكر

 حذر خبراء النفس والإجتماع من التداعيات الجسدية والنفسية والإجتماعية التى يعاني منها الأشخاص الذين يتزوجون في سن مبكرة.

 وقد شدد الخبراء على أن الزواج المبكر يُعرض الفتيات لمخاطر صحية، حيث تواجه القاصر صعوبات في التكيف مع الحمل والولادة فى سن مبكرة، مما يزيد من احتمالات حدوث مضاعفات خطيرة،مثل الاكتئاب والقلق نتيجه الضغوطات النفسية.

الوسائل المشجعة لمنع هذه الظاهرة؟

وقد شارك عدد من الجمهور في رصد الوسائل التي يمكن من خلالها الحد من الظاهرة، منها العمل علي تقديم ندوات تثقيفية للأهل بمدى أضرار هذه العادات، وحرمان القاصر من الدعم الصحي والتعليمي لأطفالها، ونشر الوعي عن طريق وزارة الصحة وحملاتها، والرقابة والقوانين والحث على التعليم لعدم انتشار الجهل والأمية.

وأشار البعض الآخر من الجمهور إلى العمل على تأمين متطلبات الحياة الكريمة للأسر الفقيرة، وتحقيق المساواة بين الجنسين، وتوفير فرص عمل ملائمة لهم،وتوعيتهم بأهميتهم في المجتمع ومدي خطورة ذلك عليهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى