عدسة

الدكتور مجدي شاكر كبير أثري مصري يكشف أسرار الحضارة الفرعونية ويقدم روشتة الوعي الأثري

دخلت مجال الآثار بالصدفة وكنت أتمنى العيش في عصر العمارنة

إعداد: شروق محمد – رشا متولي – أروى عبد المجيد – سلوي وحيد – نانسي صلاح – مريم جهاد

يُعد دكتور مجدي شاكر أحد كبار الأثريين في مصر، فهو من الأسماء البارزة في دراسة واكتشاف الآثار والبحث في تاريخ التراث القديم.

يُعتبر كذلك خبيرًا في تاريخ مصر القديمة وثقافتها، وقدَّم العديد من الأبحاث والمقالات العلمية في هذا المجال. يكشف الدكتور مجدي شاكر في الحوار التالي عددًا من الأسرار حول تاريخ مصر القديمة والاكتشافات الأثرية وسبب إطلاق لقب كبير الأثريين عليه.

               دكتور مجدي شاكر كبير أثري مصري

متى بدأ شغفك بعلم الآثار؟

أولًا دخلت كلية الآثار بالصدفة، ففي الثانوية العامة حصلت على ٢١٢,٥ درجة ولم أستطع الالتحاق بكلية الإعلام لأنها كانت تأخذ من ٢١٣,٥ درجة، وفي وقتها كان الإعلام شيء مُميَّز للغاية، فانتظرت التنسيق، وأتاح مجموعي كلية الآداب جامعة الزقازيق، فقد كانت جامعة الزقازيق في بدايتها، ومع مرور الوقت رشَّح لي والد صديق لي جامعة فؤاد الأول، التي هي جامعة القاهرة الآن، والتي كانت تعتبر حلمًا لكل طالب وطالبة، وكانت كلية الآثار فيها فريدة لا يوجد بها أقسام سِوى قسم التاريخ المصري القديم “الفرعوني”، قسم الآثار المصرية، قسم الترميم.

وقد التحقت بالجامعة وبدأت الدراسة في قسم الآثار المصرية، وكانت دراسته بالنسبة لي مُمتِعة ومُثِيرة للشغف، وبعد ذلك انطلقت في المجال، مارست عملي حوالي ١٠ سنوات في المطرية ثم انتقلت إلى مركز “جيل الآثار”، وهو كان أرقى جدًا لأنه أعطاني فرصة لأن أزور أماكن كثيرة في مصر، وأمريكا، وفرنسا وأكثر من دولة، وأعطاني فرصة أيضًا لمشاهدة آثار كثيرة جدًا داخل وخارج مصر، وأتعرف على أجانب يحملون أكثر من جنسية.

ما هو أكثر إنجاز تفخر به في مسيرتك المهنية كخبير أثري؟

عملت في الحفر، وشاركت في استخراج آثار كثيرة جدًا، وعملت أيضًا في جانب التسجيل، وسجلت نحو 100 تقرير عن المقابر و المعابد، وأعددت وثيقة، وكان هناك أرشيف عثرنا عليه عن طريق الصدفة كنت السبب فيه حول المكاتبات التي كانت تتم في القرن التاسع عشر بين المصريين والأجانب، مع العلم أن أقل ورقة منهم تُباع بحوالي ٢٠ أو ٣٠ يورو، وأنا كُنت مُميَّزًا في مجال الإعلام، فقد عملت فيه حوالي ١٢سنة، واستمر شغفي بالآثار.

أعتقد أنه لا يوجد شئ اسمه أكثر إنجاز؛ لأن الإنسان يحقق إنجازات طوال حياته، وإذا حدَّثته نفسه بالاكتفاء بما حققه سيُصاب بالغرور.

من الممكن أن يكون أعظم إنجازاتي هو عملي مع باحث فرنسي هو أقدم علماء الآثار في مصرو العالم، ومُتخصِّص في عصر “الراهانسر”، علَّمني قيمة مُهمة جدًا أنه لابد أن أتخصص في قسم واحد و مستقل كالأهرامات أو المعابد بمختلف مراحلها و أماكنها وهكذا؛ لذلك أدركت أن العلم واسع جدًا، بمعني أن تصبح متألقًا في كل المجالات، ولكن يجب أن يكون هناك مجال أو قسم تكون فيه أكثر تميُّزًا وخبرة.

ما هي المشاكل أو التحديات التي واجهتك في حياتك المهنية؟

من المُمكن أن تكون المشكلة التي واجهتني خلال العمل في مجال الآثار هي المعاناة الشديدة في أعمال الحفر والتنقيب التي تسببت في التأثير سلبيًا على مظهري وملابسي من رمال الصحراء والحفر لكي نعثر على آثار جديدة أو بقية الآثار التي حصلنا عليها من قبل، وأيضًا طول الوقت الذي نقضيه في البحث عن العظام وتجميعها لكي نعرف إذا كانت هذه العظام لطفل أو لولد أو بنت وهكذا، وأيضًا ترجمة اللوحات التي نعثُر عليها، فهي تحتاج إلى صبر ووقت، لكن بمُجرد أن أقوم بنشر علمي لمقالاتي أنسى كل التعب وأصبح في حالة انبهار بالنتيجة والحمد لله.

وإذا تكلمنا عن أكثر المحافظات التي تحتوي على آثار فهي محافظة المنوفية، ولكن يعوقنا أشياء لكي نبحث مثل أن معظم أراضيها زراعية، بالإضافة إلى ارتفاع منسوب الصرف الصحي والمياه.

هل من المُمكن أن نعثر على بقية القطع الأثرية المفقودة؟

إن شاء الله سيتم استخراجها يومًا ما على يد الأجيال القادمة، ومن خلال استخدام الوسائل الحديثة التي تساعدهم على ذلك، فعلم الآثار مازال حديثًا، فهو ظهر في عام ١٨٢٢م، فالآثار ما زالت أمامها طريق طويل من الاكتشافات.

وفي علم الآثار يجب عليك أن تسجل كل شيء؛ لأن هذا هو الأمر الوحيد الذي يُفرِّقك عن لصوص الآثار، فإذا لم يتم تسجيل ما تم استخراجه من آثار يصبح من يحوزها كاللص.

ما الذي يجب على الدولة اتباعه لكي تُعيد الآثار المفقودة؟

يوجد لدينا مشكلة القانون الدولي، ينص هذا القانون على أن أي آثار فُقدت قبل عام 1972 لا نستطيع استرجاعها إلا إذا كانت مُسجلة لدينا، فالموضوع طويل ويحتاج إجراءات قانونية مُعقدة، قد تصل إلى المطالبة بتغيير قانون اليونسكو وغيره.

ونجد أن يوم ثورة 25 يناير تمَّ سرقة الآلاف من قطع الآثار، ولا نمتلك المعلومات الكافية عن أماكن وجودها، وإذا تمَّ اكتشاف وجودها في أماكن بالخارج سنخوض معارك قانونية لمحاولة استعادتها.

وخلال السنوات السبع الماضية استطعنا إعادة ٢٩ ألف و ٣٠٠  

قطعة من الآثار المسروقة، ومع الأسف نحن نتحدث عن موضوع لن ينتهي؛ لأن لص الآثار موجود ومن يشتري موجود، فالأول يحتاج أموال والثاني احترف تجارة الآثار، وستظل الدائرة مُستمرة.

ومع الأسف هناك علماء بالأزهر تحدثوا أن تجارة الآثار حلال وبالتالي استند بعض الناس على ذلك و بدأوا بالاتجار فيها، ومن ضِمنهم أُناس مُثقفة جدًا، بالتالي نحن أمام موضوع لن ينتهي، والقوانين ليست رادعة، ونحن نحتاج للعمل على التوعية بأهمية الآثار، وهذا الوعي يحتاج ٢٠ عام لكي ينتشر بين الناس ويفهموه، ونعمل أيضًا على تغليظ القوانين.

لماذا يهتم الأجانب بالآثار المصرية أكثر من المصريين أنفسهم؟ وكيف نحل هذه الأزمة؟

لأن الأجانب درسوا بطريقة صحيحة فأصبحوا مُدركين عظمة مصر.

هي إرادة بلد، فالدولة إذا قررت سيتم تدريس اللغة المصرية القديمة “الهيروغليفية”، فوضعها في منهج الصف الرابع ظهرت المشكلة عند المُعلم لأنه لا يمتلك المعلومات الكافية عن الآثار، فهو خريج كلية التربية وليس الآثار؛ فبالتالي لم يستطع توصيل المعلومة للطلاب، فألغوا الفصل وفشل الموضوع، وكان يجب أن يُؤهَّل المُعلم أولًا.

فالأجانب يُدرِّسون الآثار للأطفال وهم صِغار؛ وبالتالي الموضوع منظومة، لا يستطيع المواطن أو الأسرة أن تفعل ذلك بمفردها، لابد أن يشارك فيها المجتمع كله، وأن نقوم بدعاية وإعلانات عن الآثار في كل مكان؛ لكي تكون حاضرة في أذهان الجميع، وأن نضع الافتتاحات الجديدة على لوحات “بانر” على الطرق لكي ينتبه إليها الجميع.

ما هي أفضل طريقة يُمكن القيام بها لتوعية الجيل الجديد بعلم المصريات؟

لا بد أن يكون هناك وعي عند الآباء، أوعلى الأقل رغبة منهم في تعليم الأولاد عن طريق المدارس، فيكون هناك إدراك لقيمة التعليم، ولنضع في اعتبارنا أنَّ التعليم لا يُحقِق أرباحًا، لكنه يُشكِّل وعيًا عند الأولاد، وأن أي شيء وأي معلومة سيتم غرسها في الطالب في سن صغير ستُؤثِّرفيه إيجابيًا في المستقبل.

وعلى سبيل المثال تلاميذ الصفين الرابع والخامس الابتدائي يتم تدريس مادة تسمي الأخلاق السياحية لهم، وهي مادة لتوعيتهم وتعليمهم كل شيء عن السياحة، وتُعرِّف الطالب أهم الآثار والحضارات في المحافظات والبيئة المحيطة به، فننطلق بالمعلومات من معلومات محلية لمعلومات عن مصر كلها.

كيف نجعل تدريسها مُمتعًا للطفل وليس مجرد مادة يقوم بدراستها؟

دائمًا أقول أن الطفل لا يفيد البدء معه بمعلومات على سبيل المثال عن الملك تحتمس وإنجازاته وتاريخه حتى لا يتكون لديه فكرة صعبة وإحباط عن المنهج، ولكن نبدأ معه بقصص بسيطة تشبهه مثلًا مثل قصة “بكار” فنجسد للطفل هذا التاريخ في هيئة كارتون وقصص، فيكونوا مُتحمسين لباقي المعلومات.

كيف يمكننا استخدام السوشيال ميديا والتكنولوجيا لتوعية المصريين  بالأماكن السياحية في مصر؟

عن طريق الذكاء الاصطناعي إذا قمت بسؤاله عن أي شيء يطرح لك الإجابة علي الفور، وأنا أتساءلُ دائمًا لماذا لا نمتلك شخصية كرتونية تُمثِّل شخصية مصرية قديمة تكون بديل  “بكار” يكون بها شخصية “توت” أو “نفرتاري”، تكون مأخوذة من الحضارة المصرية أو حتى القبطية أو الإسلامية.

على سبيل المثال في السينما المصرية قاموا باختيار مسلسل “الحشاشين”، فهذا إعلان عن فئة ضالة لن تُمثِّل أي دور إيجابي أو تأثير في المجتمع، فأصبح تأثيرها تشويه للإسلام، فتمَّ استغلال هذه الفكرة بصورة خاطئة.

من الممكن أن يتمّ تقديم مسلسلات عن “توحيد الملك مينا للقطرين”، فهو شخصية ذكية وحكيمة جدًا، والموضوع لم يكن بالسهولة التي تُعبِّر عنها الجملة، ويصلح أن نتَّخذ منه قصصًا هادفة ومؤثرة وتعليمية أكثر للأجيال القادمة.

ومن الممكن تقديم قصة مثل  “أحمس” يتمِّ فيها شرح كيفية تخلصه من الهكسوس ومعاناته بدل من حصر المعلومات كلها في جملة واحدة بدون أية تفاصيل.

ولكن مع الأسف حتى آلان كُل معلوماتنا عن “عودى يا هاميس”، نحن نحتاج إلى تغيير فكر، وهذا التغيير لابد أن يبدأ من الدولة أولًا، ونستخدم المُنتجات الثقافية المُتاحة التي نتميَّز بها عن باقي الدول.

ما هي الخدمات التي من الممكن أن تجعل منطقة الأهرامات أفضل ؟

ينقصها كثير من الخدمات، ابتداءًا من المدخل، ولكن فعليًا تمَّ بدء العمل هناك هذه الفترة، تحتاج أيضًا تنظيم للدخول والخروج، ومسرح، و”واى فاى” سريع، وتغيير مواعيد الزيارات، فتتيح الدولة مواعيد للزيارات المسائية حتى إذا تمَّ تغيير سعر التذكرة، فالموضوع بسيط، والزيارات المسائية ستحقق إيرادات أعلى.

ومن الممكن أيضًا تخصيص أماكن للاحتفالات كحفلات أو أفراح، فكل ذلك مصادر دخل مُجزية جدًا ولكنها غير مُستغلة.

وأيضا هذا ينطبق على أماكن مثل القلعة، فمن الممكن القيام بعمل فيلم تسجيلي للأحداث التي حدثت فيها مع إضاءات وموسيقي، واعتقد أنه إذا تمَّت تجربته سينال الكثير من الإعجاب لدى الزائرين.

وبالإضافة إلى ذلك لدينا أماكن مُميَّزة جدًا مثل معبد “فيلة” في أسوان، الطريق لدخولك المعبد يجعل الشخص يشعر أنه معاصر لزمن المعبد.

ويتوافر لدينا الأماكن والعناصر التي يمكن أن نعتمد عليها، ولكن لم نمتلك إمكانيات تسويقية مُحترِفة،  إذا تمَّ التسويق واستخدام الأماكن التي توجد في مصر لن يصبح فيها فرد فقير.

وأعتقد أن هذا التطوير لن يحدث فقط عندما تقوم شركة تتولى آخر التطوير، لابد أن يقوم أهل المكان بهذا التطوير لأنهم سيكونوا حريصين أكثر على تطوير المكان وحمايته.

لو كان بإمكانك السفر عبر الزمن لأي فترة من تاريخ مصر القديمة، فما هي ولماذا؟

فترة العمارنة، رغم عدم حبي لإخناتون؛ لأنه لم يكن مطلوب من زعيم بلد أن يجعل الناس تسير على دينه، فأطلق عليه الناس “المجرم”، بعد أن مات الناس محوه؛ لأنه لم يترك أي ذكرى في تاريخهم، فهو كان من أول المكفرين، كان يعتبر نفسه وسيط الإله، وقام بتغيير جذرى حرفيًا، اهتم فقط بفكرة الدين، ومصر في هذا الوقت فقدت قوتها وعلاقاتها مع بلاد العراق والشام، ودائما الفكر الديني إذا سيطر بشكل كبير مثل ما حدث في عهده يدمر الدولة، وكنت أتمنى أن أعيش في هذه الفترة لكى أرى كيف لهذا الرجل القدرة على تغيير مصر بهذا الشكل من دولة قوية لدولة ضعيفة، وبناء عاصمة جديدة ودين جديد، هذه المرحلة استمرت تقريبا  ١٥ عامًا، كانت مرحلة فارقة جدًا في تاريخ مصر الديني والعسكري وكل شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى