من التهميش إلى التميز.. نضال الأبطال البارالمبيين لإثبات قدراتهم وتغيير الواقع
لسنوات طويلة، عُرف ذوي الهمم كفئة مهمشة، لا تحظى بالاهتمام الكافي من المجتمع أو القبول في كثير من الأحيان.غابت عنهم أدوار الجهات المعنية بالدولة في توفير الدعم اللازم لهم، مما حال دون حصولهم على كامل حقوقهم أو الدعم الضروري؛ لتلبية احتياجاتهم، وكأن “الاختلاف” يُعتبر اختلالًا في المجتمع. ولكن مع دخولهم المجال الرياضي واهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي بملف ذوي الهمم في السنوات الأخيرة، يبرز التساؤل: هل ستشهد الأوضاع تحسنًا وتغييرًا ملموسًا أم سيبقى الوضع على ما هو عليه؟
معاناة متجددة تلقائياً
اتفق الأبطال البارالمبيون أحمد سمير، لاعب منتخب مصر في رفع الأثقال، ومحمد السيد، لاعب منتخب مصر لكرة الهدف، وعلي محمود، لاعب منتخب مصر في الخماسي الحديث أن هناك العديد من العوائق التي تحد من ممارسة الرياضة وتعرقل تحقيق الإنجازات، منها: عدم توفر الإتاحة في المؤسسات الرياضية في مختلف المحافظات بتوفير أماكن خاصةً، وأماكن رياضية مخصصة لهم، وفرص عمل، وكوادر مؤهلة لتدريبهم، ورعاة، بالإضافة إلى ضعف التغطية الإعلامية الكافية لإنجازاتهم أو احتياجاتهم.
الدرع الواقي للدفاع عن البارالمبيين في مواجهة المعوقات
قال الدكتور محمد الشاذلي المتحدث باسم وزارة الشباب والرياضة بأن الوزارة تسلك عدة مسارات لدعم الرياضيين من ذوي الهمم، منها: مسار متعلق بالإطار التنظيمي والهيكلي والإداري للوزارة، حيث أصدر الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، قرارًا بإنشاء مكتب في الوزارة لذوي الهمم؛ لتخطيط وتنفيذ مبادرات وأنشطة ذوي الهمم سواء الشبابية، للتوظيف، وريادة الأعمال، والترفيه، وكافة أنشطة ذوي الهمم ضمن الخطط التنفيذية السنوية للوزارة، منها: المبادرات المعنية بالشباب، التي توفر تدريبات وتؤهل الشباب للعمل، وبرامج ريادة الأعمال، ومشروعات توظيفهم، وكافة الأمور المتعلقة بالتمكين الاقتصادي وبرامج تمييز النشأة، بالإضافة إلى مسار المنشآت الشبابية والرياضية التابعة للوزارة في كافة محافظات مصر بأكثر من 6 آلاف و300 منشأة رياضية، تشمل مراكز الشباب، الأندية، مراكز التعليم المدني، المدن الشبابية، مراكز التنمية الشبابية الشاملة تؤدي أدوارًا متنوعة في قرى ومدن مصر، ومُلزمة أن تضمن عملياتها الجديدة كود الإتاحة بتوفير كافة احتياجات الرياضيين من ذوي الهمم؛ لممارسة الأنشطة المختلفة، سواء “رامبات”، مسطحات، وكافة الأدوات المساعدة لأنشطتهم، والتي ساعد في ذلك أيضًا البنية الأساسية لكافة المحافظات.
أكد “الشاذلي” أن مسار اللجنة البارالمبية المصرية وازن وساوى بين مكافآت الرياضيين البارالمبيين والأولمبيين سواء قارية أو عالمية أو بارالمبية، بل تفوقت البارالمبية بالدعم الأكبر؛ لاحتياجاتهم لأجهزة وأدوات؛ لممارسة الرياضات والتي قد لا تحتاجها الأولمبية، بقرار من الوزارة منذ 3 سنوات؛ نتيجة لفتح آفاق التعاون مع المؤسسات الأممية، منها: اليونيسيف والأمم المتحدة، بعدما كان “البارالمبيون” يحظون بمكافآت أقل؛ نتيجة للعجز المالي الناتج عن ضيق الموازنة، كذلك المساواة في الدعم، والتأهيل، ودمجهم مع الأسوياء في الرياضات ذات التنافس الواحد، بالاستعانة بخبراء وأساتذة جامعات متخصصين، والدليل الحالي خلال شهر ونصف الشهر تستعد الوزارة لأكبر حدث رياضي في العالم وهو الدورة الأولمبية والبارالمبية؛ مما زاد من المشاركات السنوية بأكثر من 17 مليونًا و 500 بدلاً من 600 ألف مشاركة فقط، كما يتم تأهيل الكوادر بعدة طرق، منها: مشروعات اكتشاف الموهوبين، مثل: البطل الأولمبي والذي يضم 11 رياضة بارالمبية يتم تنفيذها، وتأهيلها، وتمويلها بشكل كامل في كل قرى ومحافظات مصر ضمن الخطة الاستراتيجية والتنفيذية للوزارة.
أضاف “الشاذلي” أن مبادرة “قادرون باختلاف” ليس هدفها معالجة قضايا أو مشكلات يعاني منها ذوي الهمم كما يردد البعض، لكنها احتفالية مصرية غير موجودة سوى في مصر، ويحرص الرئيس عبدالفتاح السيسي على حضورها؛ للإنصات لذوي الهمم، وإصدار قرارات وتوجيهات للهيئات المعنية و التمويل؛ لتلبية احتياجاتهم وفي آخر حفل وضع الرئيس في صندوق “تحيا مصر” 10 مليارات جنيه تم توظيفها في توفير كود الإتاحة في 6 آلاف و300 منشأة، ودفع نفقات واستحقاقات التدريب، والمعسكرات، والسفر للبطولات الرسمية، ومتطلباتهم للتدريب والتأهيل، والمكافآت المالية، كما أن الفجوة بين الرياضيين الأسوياء وذوي الهمم أصبحت في صالحهم؛ لزيادة عدد بطولاتهم مع مساواة المكافآت مع ذوي الهمم، كذلك التعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة؛ لتوفير مراكز تخاطب في مراكز الشباب وصل عددها إلى 68 مركزًا في المرحلة الأولى و60 مركزًا في المرحلة الثانية، يزيد بمعدل 60 : 70 مركزًا كل عام، كل ذلك متحديين شح وقود المحرك الذي هو سبب كاف لتدمير فئة كاملة، وهي نقص التمويل المالي حتى بداية 2019؛ لتلبية احتياجات الرياضيين من ذوي الهمم.
اقرأ أيضًا: بطل برتبة محارب.. عادل الحوت: أسعى لتولي منصب في اللجنة البارالمبية
خلية رياضية نشطة للحماية من ڤيروس الإعاقة
ومن جانبه، قال د. حسام الدين مصطفى، رئيس اللجنة البارالمبية المصرية، أنه تم إنشاء أكاديمية بارالمبية؛ لتأهيل الكوادر البارالمبية، بالإضافة إلى توقيع بروتوكول تعاون مع نقابة المهن الرياضية والجامعة الفرنسية في مصر، وبصدد التعاون مع كبرى الجامعات العاملة في هذا المجال يتم تنظيم دورات تدريبية في التدريب، والإدارة، والتحكيم؛ لتطوير قدراتهم ومهاراتهم. كما تدعمهم اللجنة أيضًا من خلال برامج المسئولية المجتمعية القائمة على تزويد البارالمبيين بالخدمات والدعم المجتمعي: الصحة بكل ما تحمله من تأمين صحي، وتغذية، ودعم نفسي ومعيشي؛ لتحسين الأداء النفسي، بالإضافة إلى البرنامج التوعوي والندوات؛ لرفع الوعي بمصطلحاتهم الخاصة، أيضاً التوظيف من خلال إنشاء أول ملتقى توظيف إلكتروني، وتجهيز مراكز تدريب، بالإضافة إلى توفير كود الإتاحة بتوفير التكنولوجيا في كافة المؤسسات، أيضًا التعليم باكتشاف الموهوبين رياضيًّا ودعمهم؛ لتوفير حياة كريمة، ومعاش شهري، أيضًا تعزيز التمكين، والمساواة، والقضاء على الاختلاف، وتنمية قدراتهم.
أكد مصطفى أنه يتم تحقيق الاستقلالية للجنة البارالمبية من خلال عقد جمعيات عمومية تأسيسية بأي رياضة مع الأخذ بالاعتبار أن لديهم مقومات إدارية، وفنية، ومالية، بالإضافة إلى الاستدامة من خلال خطط العمل وآليات تنفيذها؛ فهناك معايير لضم الرياضات للبارالمبيات منها: أن الرياضات الفردية يمارسها أكثر من 22 دولة من 3 قارات، بالإضافة إلى تنظيم بطولات عالمية وقارية، وعلى نفس النهج للرياضات الجماعية لكن تمارس من قبل 18 دولة فقط، كذلك يتم اختيار اللاعبين بناءً على ترتيبهم في التصنيف الدولي واختيار المدير الفني، كما يتم دعم البارالمبيين من خلال عقد بروتوكولات تعاون دولية منها: بروتوكول تعاون مع جامعة مانشستر متروبوليتان، كما يتم العمل على معالجة الأندية والملاعب غير المؤهلة في 52 مركزًا تابعًا لوزارة الشباب والرياضة سيتم الإعلان عنها قريبًا.
صرح مصطفى بأن هناك خططًا مستقبلية لتلبية احتياجات ذوي الهمم، تشمل تطوير المقر الإداري للجنة وتحديث الهيكلة الإدارية بالحصول على شهادة “ISO” في الإدارة والبيئة والصحة والسلامة. كما تم بالفعل التعاون مع المجلس القومي لشئون الإعاقة، بالإضافة إلى تعزيز التسويق والتمويل الذاتي، وتحقيق الاستقلالية الرياضية، وتطبيق استراتيجية إعلامية لتعريف المجتمع بالرياضات البارالمبية وأهميتها.
وأشار مصطفى إلى أن اللجنة قد بدأت بالفعل في تأهيل الرياضيين البارالمبيين لأولمبياد باريس 2024، حيث تضم البعثة الحالية أكثر من 65 لاعبًا ولاعبة حتى الآن قابلة للزيادة حتى منتصف يوليو، وهي الأكبر في تاريخ المشاركات البارالمبية المصرية، مع إدخال رياضات جديدة لأول مرة. كما تم إنشاء الأكاديمية البارالمبية لتأهيل الكوادر، واستضافة مصر لعدة بطولات دولية، منها كأس العالم لرفع الأثقال في مارس الماضي بشرم الشيخ بمشاركة 34 دولة، وأمم إفريقيا لكرة القدم للرياضيين المبتورين بمشاركة 12 دولة، وتستعد لاستضافة سلسلة بطولات كأس العالم للسباحة في ديسمبر المقبل.وأكد د. مصطفى أنه تم التغلب على مشكلة نقص التمويل من خلال تسويق أنشطة اللجنة، وإعادة هيكلة العمل الإداري، وميكنة العمل، ووضع معايير لتقييم الأداء.
اقرأ أيضًا: منتخب مصر البارالمبي ينهي استعداداته لبطولة “ليموج” الدولية للسباحة
ماذا وراء الامتناع عن الرد؟
فيما ذكرت المهندسة أمل مُبدي، رئيس اتحاد الإعاقات الذهنية، أنه تم إشهار أول اتحاد للإعاقة الذهنية في مصر، وستنظم أول بطولة عالمية لهم في عام 2027. كما أكدت أنها تعمل حاليًا على زيادة عدد الرياضيين وتنمية قدراتهم من خلال الدعم المالي، وتوفير الأدوات، وعقد دورات تدريبية للمدربين، بالإضافة إلى تطوير مهارات التخاطب والنمو اللفظي لديهم. ومع ذلك، امتنعت عن التعليق على الانتقادات الموجهة بشأن وجود قصور في ملف الرياضيين من ذوي الهمم، مما يثير تساؤلات حول صحة هذه الانتقادات.
البتر الإعلامي يمحي إنجازات بالجملة
أشار الإعلامي الرياضي هاني حتحوت إلى أن هناك قصورًا في التغطية الإعلامية للرياضيين من ذوي الهمم، إذ يركز الإعلام غالبًا على البطولات الكبرى وتستحوذ كرة القدم على اهتمام الجمهور بشكل أساسي. وأوضح أن الوزارة واللجنة البارالمبية تسلط الضوء على نجاحات هؤلاء الرياضيين من حين لآخر، إلا أن هناك صعوبات في الوصول إليهم وتنسيق اللقاءات معهم.
واقترح حتحوت معالجة هذا القصور عبر تخصيص فقرة أسبوعية في البرامج الرياضية لتسليط الضوء على إنجازات الرياضيين من ذوي الهمم، واستضافتهم في البرامج المختلفة لمناقشة متطلباتهم وعوائقهم، مما يسهم في حلها من قبل الجهات المعنية. كما دعا إلى وجود منسق من الاتحادات الرياضية المختلفة للتعاون مع البرامج الرياضية، والتنسيق بين الوزارة والاتحادات والإعلام لتوفير تغطية كافية لكافة بطولاتهم. وأكد أن هذا التوجه سيزيد من تقبل المجتمع لهم ويعزز دمجهم، مشيرًا إلى أن مبادرة الرئيس “قادرون باختلاف” وسعي وزارة الشباب والرياضة لاستضافة البطولات البارالمبية يعكسان جهودًا إيجابية في هذا الإطار.
ختامًا، رغم العوائق التي تواجه ذوي الهمم، فإنها تدفعهم نحو التطوير وإصلاح الفجوات، مما يسهم في ولادة المزيد من أساطير الرياضة البارالمبية. لقد تمكن الأبطال البارالمبيون والمؤسسات الرياضية المعنية من تجاوز قيود العجز وتحقيق التغييرات الجذرية المطلوبة. تعمل هذه المؤسسات بأقصى جهدها على تلبية احتياجات ذوي الهمم، ودمجهم في المجتمع، والقضاء على فكرة الاختلاف. من جانبهم، يسعى الأبطال جاهدين لإثبات قدراتهم وتحقيق إنجازاتهم رغم التحديات الصعبة، مما يجعل بدايات التطوير مبشرة بمستقبل واعد.