إمبراطورية اقتصادية صينية في إفريقيا
استثمارات بكين في القارة السمراء تحقق 130% ارتفاعًا في 2023
إعداد: بدر خاطر
لم تكن العلاقة بين الصين وإفريقيا وليدة اللحظة، بل هي علاقة وطيدة من العصور القديمة حتى الآن، إذ كانت بكين تختلف في أهدافها عن الدول الغربية التي قامت بالهيمنة والسيطرة على القارة السمراء من أجل الاستيلاء على ثرواتها الطبيعية والموارد التى تمتلكها.
منذ البداية، سعت الصين إلى تكوين علاقات صداقة بينها ودول القارة من أجل تأمين الساحل الإفريقي وتأمين مصالح بكين من أي أخطار خارجية، لذلك كانت سياستها هي عدم التدخل في شئونها الداخلية وساعدتها على التخلص من السيطرة الاستعمارية لدول الغرب فى القارة الأفريقية.
ولجأت بكين إلى القيام بعملية توحيد العلاقة مع الجنوب من خلال التجارة وتطوير البنية التحتية والاستثمارات الضخمة التي أقامتها بكين فيها من خلال المبادرة الدولية الجديدة «طريق واحد – حزام واحد» والتي ترغب في تنفيذها عبر عدة دول وكان من أهمها الدول الأفريقية.
ولعل ما ساعد في تدعيم التقارب الصيني في أفريقيا والقيام بعمليات استثمارية ضخمة فيها، مجموعة من العوامل المختلفة.
المنفعة المتبادلة
وفقًا لموقع شبكة طريق الحرير الإخبارية، فإن العلاقة بين بكين وإفريقيا وصلت إلى مستويات قياسية من التجارة، ولم يكن ذلك وليد اللحظة، بل منذ عام 2000، إذ اعتمدت الصين على استيراد ١.٤٢ تريليون دولار أمريكى من إفريقيا وصدرت ما يقارب حوالى ١.٥٨ تريليون دولار إلى القارة.
وفقًا لآراء بعض الخبراء فإن العلاقة بين بكين والدول الإفريقية قائمة على المنفعة المتبادلة، مع توفير الدعم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان وشعوب القارة من ناحية أخرى.
وفي عام 2022، زاد التعاون العميق بين بكين وإفريقيا كمنطقة أساسية، من خلال قيام سوق قاوتشياو بهونان ببناء حديقة لعرض التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين، وبناء العديد من منصات الخدمات الاقتصادية الشاملة بينهما وإدخال ما يقرب من حوالى 1000 شركة اقتصادية وتجارة صينية -إفريقية، والذي استطاع أن يصل بحجم التجارة في القارة إلى 3.27 مليار يوان أي بزيادة قدرها 325% على أساس سنوي.
كما حققت العلاقة الثنائية بين الصين وإفريقيا رقمًا قياسيًا بلغ 282.1 مليار دولار فى عام 2023، وبالتالي أصبحت بكين هي الشريك المثالي التجاري لقارة إفريقيا لمدة 20 عامًا على التوالي، وفقًا لما ذكرته وزارة التجارة الصينية.
وبحسب وكالة «شينخوا» الصينية، فإن مجلس الدولة وافق على خطة عامة من أجل بناء منطقة تجريبية للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وإفريقيا، مشيرة إلى أنه بموجب هذه الخطة، فإن الصين ستقوم بإنشاء المنطقة التجريبية كمنصة للانفتاح والتعاون مع أفريقيا، وسيكون لها تأثير دولى بحلول عام 2027 .
وأضافت أيضًا أنه في الأعوام القادمة ستقتحم بكين وإفريقيا المجال كاملاً للدور القيادي في المنطقة التجريبية، وتحقيق المنافع المشتركة للشعب الصيني والشعوب الإفريقية.
استثمارات صينية في إفريقيا
لم يتوقف تواجد بكين في إفريقيا على التبادل التجاري والاقتصادي فقط، بل قامت بتوجيه العلاقة بينها وبين القارة الإفريقية من خلال مجموعة من الاستثمارات الضخمة فيها من خلال قيام الصين بتشجيع شركتها المحلية بالاستمرار على زيادة الاستثمار في القارة.
و ساعدت هذه الاستثمارات الدول الإفريقية على رفع مستوى التصنيع لديها، وتحسين صناعتها وعدم الاعتماد على المنتجات الأجنبية من خلال صادراتها.
وفقًا لموقع المرصد الاقتصادي، فإن الاستثمارات الصينية في إفريقيا في عام 2020، بلغت 43 مليار دولار، ونتيجة لذلك قامت أكثر من 3500 شركة صينية في جميع أنحاء القارة الأفريقية بشكل مباشر وغير مباشر بتوفير ملايين الوظائف للشعوب الإفريقية مقارنة بعام 2013 الذي وصلت فيه نسبة الاستثمارات إلى 33.7 مليار دولار .
وفقًا لمركز التنمية والتمويل الأخضر، التابع لإحدى الجامعات الصينية في منطقة جنوب الصحراء فإن نسبة الاستثمارات الصينية في إفريقيا سجلت ارتفاعًا سنة 2023 بنسبة 130% مقارنة بعام 2022.
وأضاف أيضًا أن هناك 24.1 مليار دولار كانت في شكل استثمارات خلال الربع الأول من عام 2023 مقابل 3.16 مليار دولار في شكل بنية تحتية، كما أنها وقعت عقودًا جديدة لمقاولة مشروعات بقيمة 2.4 مليار دولار بارتفاع 7.64 % على أساس سنوي.
ويتوافق هذا الانتشار مع مبادرة «الحزام والطريق» التي تهدف إلى ربط بكين بالعديد من القارات ومنها إفريقيا من أجل تسهيل حركة التجارة، وهذا يتسبب فى قلق أمريكى كبير.
وأخيرًا، يتضح أن بكين تسعى إلى زيادة التعاون بينها وبين الدول الإفريقية من أجل الاستفادة من عدد سكانها ومواردها والرغبة في مواجهة أي دول غربية ترغب في السيطرة على القارة، فهل ينجح مخطط الصين لإنشاء منطقة تجريبية كمنصة للانفتاح على إفريقيا بحلول 2027؟