مرصد

«الطروحات» كلمة السر.. تفاصيل التجربة المصرية لتجاوز الأزمة الاقتصادية

مدحت نافع: مطلوب استحداث وزار ة لإدارة مشروعات الشراكة خاصة مع استثمارات خليجية جديدة بالمليارات

بسبب أزمة كورونا وانغلاق الدول على أنفسها ووقف حركة الاستيراد والتصدير، وبالتالي توقف معظم الصناعات لعدم وجود المواد الخام وغلق معظم الشركات وتجميد كثير من الاستثمارات.

لكن ما زاد الأمر سوءًا اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتوقف موسكو وكييف عن التصدير، الأمر الذي أثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام وعلى مصر بشكل خاص، ومع استمرار الحرب تراكمت الصعوبات ليأتي ارتفاع سعر الدولار وتعويم الجنيه وارتفاع الأسعار وتوقف معظم الصناعات لعدم توفير سيولة تمكنها من استيراد المواد الخام.

كل هذه العوامل أثرت على الاقتصاد المصري بشكل سلبي ودفعت الدولة للبحث عن حلول للخروج من المأزق ووجود آليات تمكنها من توفير العملة الصعبة وتوفير سيولة دولارية تساعد الاقتصاد المصري.

توفير العملة الصعبة

اتبعت الدولة عددًا من الأساليب والخطط لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها في محاولة لإيجاد حلول فورية لتوفير العملة الصعبة والتخلص من الشح الدولاري وتعزيز قدراته على الاستيراد ومن ثم القدرة على توفير الاحتياجات الضرورية.

ومن الحلول التي لجأت إليها الدولة انضمامها لمجموعة «بريكس» والتي تأسست عام 2006 وضمت عددًا من القوى الاقتصادية العالمية كالبرازيل وروسيا والهند والصين.

وتعد «بريكس» من أقوى التكتلات الاقتصادية في العالم وذلك لما تحققه من نمو اقتصادي مستمر لمجموعة الدول المنضمة إليها، حيث تفوقت على مجموعة السبع بنسبة مساهمة 31.5% في الاقتصاد العالمي مقابل 30.7 للقوى السبع.

بدا واضحًا أن خطوة انضمام مصر إلى «بريكس» تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول المشتركة والتخلص من الهيمنة الأمريكية والأزمة الدولارية المتحكمة في كل شيء، وتوسيع التجارة البينية بالعملات المحلية بعيدًا عن الدولار، لذلك وجدت مصر أن هذه الخطوة ستساعدها على الخروج من مأزقها وتعزز قدراتها على الاستيراد دون عائق توفير العملة الصعبة أو انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بشكل مستمر، حيث تراجع الجنيه بنحو 50% من قيمته منذ عام 2022.

وأعلنت الحكومة أن انضمامها للمشروع سيكون اعتبارًا من يناير 2024 وأنه سيساعدها على تعزيز علاقتها الاقتصادية والسياسية مع دول التكتل، ويخلق لها مكانة اقتصادية مرموقة بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واستهدفت مصر من انضمامها لتكتل أيضا تقليل تعاملاتها بالدولار وتخفيف الطلب على النقد الأجنبي ورغبتها في الحصول على التسهيلات التي يمنحها التكتل كالتمويلات الميسرة لمشروعات التنمية وقدرتها على استكمال مشروعات الإصلاح والتنمية التي تعمل عليه وزيادة فرص جذب الاستثمارات الأجنبية، مما يعمل على تنميه الاقتصاد المحلي والتخلص من مشكله توفير العملة الصعبة، ومن ثم القدرة على الاستيراد وتوفير المتطلبات الضرورية دون أي عائق.

تشجيع حركة الاستثمار

طرحت الحكومة حلولًا آخري لمواجهة الأزمة الاقتصادية مثل اقتراح برنامج لتشجيع حركة الاستثمار وتقديم تسهيلات للمستثمرين بغرض زيادة فرص التصدير، ومن ثم القدرة على توفير العملة الصعبة، وهذا البرنامج هو الرخصة الذهبية التي جاءت في إطار المبادرة الرئيسية «ابدأ»، وهي عبارة عن موافقة واحدة يتم منحها لبعض المشروعات لتسهيل القيام بالمشروع وإنجاز الوقت وذلك كمحفز اقتصادي للمستثمرين.

الرخصة الذهبية 

 يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، إن الرخصة الذهبية هي أحد الحلول التي تقدمها الدولة للمستثمرين بغرض تسهيل القيام بالمشروعات والإسراع في بدء النشاط الإنتاجي والاستثماري دون الحاجة للحصول على موافقات عديدة من المؤسسات الحكومية مثل الرخصة التقليدية، موضحًا أنها ستعمل على تشجيع الاستثمارات الأجنبية لمصر من خلال تحريرهم من القيود الروتينية التي يعانون منها.

وأشار إلى أنهم طالبوا من خلال الحوار الوطني بتوسيع الرخصة ومنحها لكافة الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي التخلص من الرخصة التقليدية لتصبح هي الرخصة الموحدة الموجودة داخل كافة القطاعات؛ للتخلص من الإجراءات الروتينية المعوقة للنشاط المتمثلة في تعدد جهات التراخيص والموافقات وجهات الولاية على أراضي الأنشطة، وهي تعمل على توفير الوقت والجهد ونقل المشروع من مرحلة الفكرة إلى مرحلة التنفيذ في وقت قياسي.

وأوضح نافع أن من الفائدة التي ستعود على الدولة أنها ستتيح نشاطًا اقتصاديًا واسعًا وتزيد من فرص النمو المعزز بالاستثمار عوضًا عن النمو المعزز بالاستهلاك.

وكانت مصر أعلنت في ظل جهودها للبحث عن حلول لتوفير النقد الأجنبي وجذب الاستثمارات وتشجيع حركة الصناعة في الدولة عن نظام الطروحات، وهو عرض عدد من ممتلكات الدولة للبيع سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب؛ وذلك لتقويم المسار الاقتصادي وتوسيع مساحة القطاع الخاص الذي شهد تراجعًا خلال الفترة السابقة بسبب القيود المفروضة على الاستيراد وتوفير العملة وارتفاع الأسعار.

مدة التنفيذ

كشفت البيانات الحكومة المتتالية أن برنامج الطروحات سيستمر لمدة عام بدأ في الربع الأول من عام 2023 وحتى الربع الأول من عام 2024، وطرحت 32 شركة مملوكة للدولة وهدفت إلى جمع مليارين ونصف المليار دولار خلال الستة أشهر الأولى من البرنامج.

هنا اعتبر الدكتور مدحت نافع أن برنامج الطروحات وعرض الأسهم المملوكة للدولة بالبورصة من خلال البرنامج الشامل المتصل ببرنامج وثيقة ملكية الدولة قام برصد 705 شركات للدولة، ووضع خطة عامة لزيادة حصة الدولة وفقًا لخطط زمنية محددة، واستخدمت مصطلح الطروحات على أنه الوسيلة الأنسب لتخرج الدولة سواء لصالح الجمهور من خلال الطرح العام أو لصالح الشركات الخاصة أو المستثمر الاستراتيجي من خلال الطرح الخاص.

وقال إن برنامج الطروحات متعثر ويشهد مرحلة متأخرة ويشهد عددًا من المشاكل والعقبات المؤسسية، كما أن هناك مقاومة من قبل الشركات المطروحة، وهناك عدد ضئيل للغاية من الشركات مطروح مقابل حصيلة واسعة في محفظة الحكومة المصرية فما تم طرحه حتى الآن مجرد حصص ضعيفة جدًا لعدد محدود من الشركات، كما أن المهلة التي حددتها الدولة لجمع ملياري دولار أوشكت على الانتهاء دون تحقيق ذلك، وأن المبلغ الذي تم جمعه بالجنيه المصري في حين أن هدف الدولة من برنامج الطروحات هو جذب الاستثمارات وتوفير العملة الصعبة.

وعقب الدكتور نافع أن سعي الدولة لتوفير العملة الصعبة هو عرض لمرض فالمرض الحقيقي هو ضعف الإنتاج والإنتاجية والاعتماد على الاستيراد والاعتماد على الدين الخارجي لتمويل العجز المزمن المزدوج، ويرجع زيادة الطلب على العملة الأجنبية هو طلب مشتق من الطلب على سداد الديون وسداد فاتورة الاستيراد ويتطلب تدفق العملة الصعبة بشكل انسيابي وبشكل آمن استقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة وخاصة أن الدولة لديها نقص كبير في الادخار المحلي فنسبته لا تزيد على 8%، ونحن بحاجة إلى رفع هذه النسبة إلى الضعف.

لذلك لجأت الدولة نحو جذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر بشكل أساسي من خلال حزمة الإجراءات التي اتخذتها، ونجحت في هذه الخطوة وظهر ذلك واضحًا في مشروع “رأس الحكمة” الذي تبنته الإمارات، والذي وصفه الدكتور مدحت نافع بأنه الأكسجين الذي أنعش الاقتصاد المصري وأنقذه من حالة الشلل الذي أصابته نتيجة الشح الدولاري وارتفاع سعره.

وأكد أن الاستثمار الأجنبي في رأس الحكمة سيطور أرضًا غير مستغلة بالكامل وسيعمل على توفير السيولة الدولارية، واعتبر أن هذه الصفقة هي الأكبر في تاريخ الاستثمارات الأجنبية بمصر، وطالب بضرورة وجود وزار ة لإدارة هذه المشروعات وخاصة مع قدوم مشروعات أخرى من السعودية وقطر والتي تتطلب إدارة جيدة لضمان استدامة جذب هذا النوع من المشروعات، مشيرًا إلى أنها ستساعد على سد الفجوة التمويلية التي تعانيها البلاد.

وقال إن هذا المشروع سيحدث انخفاضًا في الأسعار ويعزز الظروف المعيشية للمواطنين وسيعمل على توفير فرص عمل وسيولة دولارية بقيمة 24 مليار دولار في شهرين مما يقلل من التضخم الناتج عن الشح الدولاري فمع زوال السبب ستختفي العلة، ومن خلال مشروع “رأس الحكمة” طرحت الدولة عددًا من المشروعات الاستثمارية الضخمة الأخرى مثل “رأس جميلة” بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي مع قطر وإجراء مشروعات استثمارية ضخمة أخرى بمناطق مثلى جزيرة الوراق وسجن أبو زعبل.

وتابع، «كل هذه حلول وجهود وسياسات اتبعتها الدولة لمعالجة الأزمة الدولارية وحالة التضخم المذهلة وذلك من خلال جذب استثمارات أجنبية وتشجيع استثمارات محلية تساعدها على توفير النقد الأجنبي ورفع حركة الصناعة بالدولة، وبالتالي تلبية الاحتياجات والقدرة على الوصول إلى مرحلة التصدير، بالإضافة إلى أن انضمامها لاتفاقية (بريكس) لاستيراد احتياجاتها من خلال عملة بينية لدول التكتل بعيدًا عن الدولار والتي يشكل أساس المشكلة.

وبالفعل مكنت هذه الحلول الدولة من الخروج من عنق الزجاجة وإحداث حالة من الانفراج الاقتصادي مكنها من أخذ حزمة قرارات اقتصادية قوية كتحرير سعر الصرف والعفو الجمركي وحدوث انخفاض في كثير من الأسعار أبرزه سعر الذهب الذي قد تخطي 4000 جنيه ليعود الى 2500.

ورأى كثير من خبراء الاقتصاد أن الدولة تسير في مسارها الصحيح والتي كان من المفترض اتباعه منذ البداية وتنبأوا بإحداث حالة من النمو والتطور الاقتصادي التي سيعود على الدولة وعلى المواطنين بالإيجاب وسيخلصها من الهيمنة الدولارية ويساعدها على سداد ديونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى