مرصد

حزمة عقوبات غربية جديدة.. الاقتصاد الروسى إلى أين؟

    أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبى فرض حزمة عقوبات جديدة على روسيا بدءا من اليوم الأحد، تأتى هذه الخطوة بعد مرور أسبوع على وفاة أليكسى نافالنى -المعارض الروسى البارز- أثناء احتجازه من قبل سلطات بلاده، تتشكل حزمة العقوبات من 500 عقوبة جديدة تستهدف شركات وشخصيات روسية، ليصل بذلك إجمالى العقوبات التى استقبلتها روسيا منذ بداية الحرب فى أوكرانيا إلى 16,587، والتى فرضتها الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبى بالإضافة إلى خمس دول أخرى، وقال الرئيس الأمريكى جو بايدن: “إن العقوبات تستهدف آلة الحرب الروسية، كما تفرض قيودا على صادرات نحو 100 شركة أو فرد، كما أن الإجراءات تستهدف أولئك المتورطين فى سَجن نافالنى، الذى توفى فى معتقل فى القطب الشمالى”، بهذا اتخذت بريطانيا قرارا يقضى بتجميد أصول ستة من قادة السجن، فضلا عن منعهم من السفر إلى المملكة المتحدة، كما فرضت حظرا جديدا على صادرات روسيا للمعادن والماس والطاقة، وتمثل هذه الخطوة آخر حلقة أضيفت لسلسلة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب فى أوكرانيا فى فبرايرعام 2022.

    أوقعت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبى إلى جانب دول من بينها أستراليا وكندا واليابان، أكثر من 16,500 عقوبة على روسيا منذ فبراير عام 2022، معلنين أن هدفهم الرئيسى من فرض تلك العقوبات هو تقويض الأموال الروسية، ما أودى إلى تجمد احتياطيات روسية من العملات الأجنبية قيمتها 350 مليار دولار، أى نحو نصف إجمالى احتياطياتها، كما أعلن الاتحاد الأوروبى أنه جمّد نحو 70% من أصول البنوك الروسية، فضلا عن استبعاد بعضها من خدمة “سويفت” المختصة بتحويل الأموال السريع، وضمن نفس سياق عقاب روسيا لجأت الدول الغربية إلى حظر تصدير التكنولوجيا التى قد تستخدمها روسيا في صناعة الأسلحة، إلى جانب حظر استيراد الذهب والماس من روسيا، وفضلا عن حظر الرحلات الجوية من روسيا، كما واجهت العقوبات عددا من رجال الأعمال المرتبطين بالكرملين، وبينما حظرت الولايات المتحدة وبريطانيا النفط والغاز الطبيعي الروسى، حظر الاتحاد الأوروبى واردات النفط الخام المنقولة بحرا،  كما فرضت دول مجموعة السبع سعرا أقصى قدره 60 دولارا لبرميل النفط الخام الروسى، في محاولة لخفض أرباحها، مثلت هذه الخطوات تحديدا بداية أزمة الغاز المشتعلة بين روسيا والاتحاد الأوروبى إلى الحد الذى يقول فيه آلان كافرونى، أستاذ الشؤون الدولية في كلية هاملتون بالولايات المتحدة، إن قرار أوروبا قطع واردات النفط والغاز الروسية لم يسبب سوى الإضرار بالاقتصادات الأوروبية. 

    تعتمد أوروبا على الغاز الروسى أكثر من اعتمادها على النفط؛ فحوالى 40% من الغاز المستهلك فى الاتحاد الأوروبى يأتى من روسيا، وتوفر روسيا 27% من واردات الاتحاد الأوروبى من النفط، كما أن الكثير من هذه المواد الخام يتم استيرادها عبر خطوط أنابيب بُنيت خلال الحقبة السوفيتية لتزويد أوروبا من الشرق إلى الغرب، تختلف درجة اعتماد دول الاتحاد الأوروبى على روسيا؛ فالبلدان القريبة نسبيا منها مثل إستونيا أو فنلندا وكذلك بلغاريا، تحصل على ما يقرب من 100% من غازها من روسيا، بينما لا يذهب الغاز الروسى عمليا إلى البرتغال وإسبانيا على الإطلاق، وتقف بولندا وألمانيا وجمهورية التشيك فى منتصف هذا المؤشر تقريبا، كتبعة للعقوبات الأوروبية عليها، أعلنت روسيا في أبريل عام 2022 وقف إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا وبلدان أوروبية أخرى، مؤكدة بذلك اشتعال “حرب الغاز” كما أسمتها دوائر غربية مختلفة، أدت هذه المقدمات -حسب خبراء اقتصاديين- إلى تضخم غير مسبوق داخل الدول الأوروبية، وخاصة فى بعض البلدان مثل ألمانيا وإيطاليا والنمسا المعتمدة بشكل كبير على الطاقة الروسية، وجاءت الضربة الأخيرة  ضمن التوتر الاقتصادى بين روسيا وأوروبا  بشكل “قنبلة نووية اقتصادية” على حد تعبير صحيفة “بوليتيكو” التى أكدت أن الاتحاد الأوروبى لن يتمكن من حظر استيراد الألمنيوم الروسى في ظل الرفض الشديد من الصناعيين الأوروبيين، الذين يعتبرون أن اتخاذ مثل هذا القرار يعد بمبثابة “تفجير قنبلة نووية اقتصادية”، كما أن مثل هذا الاقتراح “سيواجه معارضة من الدول الصناعية مثل إيطاليا وألمانيا؛ لأنه سيؤدى إلى ارتفاع الأسعار”، مشيرة الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبى لا يزال يستورد 9% من الألمنيوم لصناعاته من روسيا، وجاء ذلك ضمن الاستعدادات  للحزمة الثالثة عشرة من عقوبات الاتحاد الأوروبى ضد روسيا والتى اعتمدت اليوم الأحد، وبهذا يتجلى السؤال الأهم: كيف بات الاقتصاد الروسى نفسه بعد عامين من العقاب الأمريكى الأروربى؟

      يبدو أن العقوبات الغربية على روسيا لم تفشل فى شل الاقتصاد الروسى وحسب، بل وشكلت داعما له تقريبا، وذلك ليس وفق تأكيدات المصادر الروسية وحسب، بل وحتى الأوروبية، فرغم انكماش روسيا اقتصاديا خلال عام 2022 فى إثر بداية توقيع العقوبات، إلا أن الاقتصاد الروسى عاد للنمو خلال عام 2023 بشكل ملحوظ، فحسب وكالة الإحصاء الفدرالية “روستات” الروسية، نما الاقتصاد الروسي بنسبة 5.5% على أساس سنوى في الربع الثالث من عام 2023، بينما يتوقع صندوق النقد الدولى نمو الاقتصاد الروسى بمعدل 3.2% خلال العام الجارى متجاوزا توقعات للنمو الاقتصادى فى كل من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، كما تتوقع وزارة المالية الروسية نمو الناتج المحلى الإجمالى للبلاد فى العام الجارى رغم أنه سيكون أقل مما كان عليه في عام 2023، كما سيبدأ سعر الفائدة  الرئيسى فى الانخفاض ولكن ليس قبل الربع الثانى، أما التضخم فسيبدأ فى التباطؤ ولكن من غير المرجح أن يصل إلى هدف 4%، فى حين ستظل البطالة عند مستويات منخفضة غير مسبوقة، وذلك بالرغم من استمرار النقص فى الأيدى العاملة، كما جاء ارتفاع معدلات النمو الاقتصادى الروسى رغم زيادة مقابلة فى الإنفاق العسكرى والأمنى، ففى ظل تحول روسيا إلى ما يعرف باقتصاد الحرب، يتوقع كثير من الخبراء الاقتصاديين داخل روسيا ارتفاع مخصصات الميزانية الأمنية والحربية إلى 40%، وهو ما يعتبر مؤشرا سلبيا للاقتصاد الروسى فى ظل الارتفاع المتزايد فى معدلات التضخم بالإضافة إلى تعهد قادة الدول الغربية بالبحث عن طرق جديدة تقوض القدرة الشرائية لموسكو.

     خلص تقرير أصدره معهد التنبؤ الاقتصادى التابع لأكاديمية العلوم الروسية إلى تقديرات بتراجع الاقتصادى الروسى خلال العام الجارى بعكس ما جاء فى العام الماضى، فيتوقع أنه من غير المرجح أن يتمكن الاقتصاد الروسي من تكرار التعافى فى النمو الاقتصادى الذي حققه خلال العام المنصرم، بل على العكس، فسيعانى في العام الحالى من تراجع واضح، كما يتوقع التقرير أن ينخفض ​​معدل نمو الإنتاج الصناعي في أبريل ومايو المقبلين ثلاث مرات مقارنة بمؤشرات العام المنصرم، يأتى ذلك بينما يشعر مراقبون روس بالقلق أيضا بشأن احتمال تراجع عائدات التصدير الروسية العام المقبل بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية وتباطؤ الاقتصاد العالمى خلال العام الحالى، فضلا عن احتمال تعرض البلاد لرزمة جديدة من العقوبات الغربية، وتوجه روسيا نحو جهود الحرب ثلث ميزانية الدولة بما يعادل 9.6 تريليون روبل روسى فى 2023 و14.3 تريليون روبل روسى فى 2024، وهو ما يعنى ثلاثة أضعاف الزيادة من عام 2021، وهو آخر عام كامل قبل الحرب، بهذا حذر كبار المسؤولين الاقتصاديين في عهد بوتين من أن زيادة الإنفاق العام تأتى فى خطر حدوث تقلبا كبيرا في الاقتصاد فى المستقبل القريب، كما تتوقع السلطات الروسية نفسها أن يتباطأ النشاط الاقتصادى في العام 2024 رغم توقعاتها باستمرار النمو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى