العقم الفكري إلى أين؟
ماذا تعرف عن الرياضيين البارالمبين سوى مصطلح إعاقة، ذوي الهمم، ذوي الاحتياجات الخاصة، ذوي القدرات الخاصة؟ تلك المصطلحات العقيمة التي توأد وتبيد الذات تارة وتحطم القدرات تارة أخرى دون جدوى، اختارها المجتمع للتعبير عن فئة معينة برغم أنها صفة موجودة عند كل آدمي، لكن الأشد إعاقة حقا هي التي تكمن في الفكر الذي يتبنى مجتمعنا بنظراته العقيمة المشفقة تارة كأن تحدياتهم مرض والممزوجة بالتنمر أحياناً كأن الاختلاف اختلال، فكل منا إعاقاته، تحدياته، احتياجاته، كذلك قدراته دون تميز، لكنها مرئية بشكل أوضح لدى البعض.
فأغلب مجتمعنا المخزي أيضاً يناشد بإنجازاتهم العالمية ويعارض تحدياتهم المرئية أو تقبلهم معهم، من منظور العجز والمرض برغم من الممكن أن تصبح تحديات كلا منا مرئية يوماً ما، يود أن يتقبله المجتمع ويندمج معه ويصبح جزءًا منه، لكن بحضور الإنجازات يظهر التناقض في أبهى ثوب له، فمؤخراً عندما اهتم الرئيس والمؤسسات التابعة والمعنية بهم وسلطوا الضوء عليهم؛ أصبح القلة القليلة تتقبلهم تتابعهم، رغم رسوخ الفكر العقيم.
وباعتبار الإعلام الرياضي جزء من ذلك المجتمع فلا يسلط الضوء على أصحاب التحديات المرئية سوى عند تحقيق إنجاز عالمي فقط، وكأنه أعظم إنجاز بشري، فقط؛ لتلبية العجز النفسي والفكري لدى العقماء فكرياً، بأنه يمكنك تحقيق ما تراه عسيراً أو مستحيلاً فها هو أمامك الآن لديه تحدياته المرئية وحقق هدفه. فلا يقوم بالتغطية الإعلامية الكافية منذ تحرك أولى محطات إنجازاتهم أو إنبات براعمهم المحلية وصولاً للعالمية، كما يتم مع الرياضيين الأسوياء في كافة الرياضات والفئات، أو يوعي المجتمع برياضاتهم الخاصة ومتابعة كافة جوانبهم الرياضية؛ لجذب المزيد من الرياضيين، فلما لا وهم ليسوا محل اهتمام المجتمع، الذين لا يحصدون أو يجنون ما يجني الأسوياء من وجهة نظرهم؟!
- اقرأ أيضًا: تحديات ذوي الهمم: هل هناك ضوء في نهاية النفق؟
- اقرأ أيضًا: بطل برتبة محارب.. عادل الحوت: أسعى لتولي منصب في اللجنة البارالمبية
لكن مهما تعددت المسميات ووجهات النظر فالنتيجة مطلقة غير قابلة للتحريف أو الإنكار فلا يتصدر لهذه الفئة سوي العقم الفكري للمجتمع الذي لا يعي أن للبشر تحدياته المتنوعة دون استثناءات سواء مرئية أم لا، فهم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا ولا يختلفون عنه في شيء_ سواء تقبلنا أم عارضنا_ فقد حقق الناشئين والكبار، الرجال والنساء، وبكافة الرياضات الميداليات المحلية، والقارية، والدولية، ورفعوا العلم المصري على أرض غير أرضه دون قتال وفي المحافل الدولية أكثر من الأسوياء، منها: إبراهيم حمدتو لاعب تنس الطاولة العالمي بفمه، فاطمة عمر التي حققت ما عجز الرجال وأصحاب التحديات الخفية أو ما يسميهم البعض “الأسوياء” على مستوى العالم عن تحقيقه في رفع الأثقال على مدار ثلاثين عاماً، أيمن صبور لاعب السباحة الدولي متحد التوحد، عبد الرحمن بهجت أول لاعب عالمي مصري في تنس الطاولة لديه شلل دماغي، منتخب مصر بساق واحد الحاصل على أمم إفريقيا 2024، وغيرهم الكثيرين.
فلابد من تغيير تلك النظرة العقيمة حولهم، بتقبلهم في المجتمع والاهتمام بهم وقدراتهم ومتابعتهم؛ لإصدار نسخ جديدة ومتطورة منهم يرفعون اسم مصر في المحافل الدولية، فهم مثلي ومثلك لديهم قدراتهم وتحدياتهم الخاصة في آن واحد، بل هم حاربوا العقم الفكري للمجتمع ومعارضته لتقبلهم والمساواة بينهم وبين باقي المجتمع، بالإضافة إلى أننا لابد أن نتأدب في تعاملنا معهم دون شفقة أو تنمر أو تخصصهم بمسميات تبيد مشاعرهم وتحطم قدراتهم.